السدم والعناقيد النجمية
Nebula & Star
clusters
قال
تعالى :
{
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }
♦ السديم ( Nebula ) :
يطلق اسم السديم على كل غبشة في السماء
، وهي الغازات أو الأغبرة الفلكية المظلمة أو اللامعة والتي تغطي مساحات واسعة بين
نجوم السماء يمكن أن تصل عشرات أو مئات السنوات الضوئية ، ومعظمها يتكون من غاز
الهيدروجين المادة الأولية للنجوم . وهذا السديم ربما كان رقيقاً جداً بحيث لا
يظهر له أثر وقد يكون سميكاً يخفي ما خلفه أو بين هذا وذاك . وأصل معنى كلمة سديم
هو الغيمة ، وهي كلمة محدثة لم يكن علماء العرب استخدموها ، فقد استخدم عبد الرحمن
الصوفي في كتابه صور الكواكب كلمة ( اللُّطخة السحابية ) للتعبير عن نفس المفهوم
وذلك عندما وصف ولأول مرة مجرة المرأة المسلسلة التي تبدو للعين المجردة كالسديم ،
واستخدم البيروني لوصف السدم كلمة السحابيات .
♦ أنواع السدم :
أولاً : السديم المجري (Galactic Nebulae ) :
نسبةً إلى المجرة ، وهي الغازات
والأغبرة المنتشرة هنا وهناك في المجرة ، إضافة إلى أن بعضها يمكن أن يرى في
المجرات القريبة الأخرى كمجرتي ماجلان . وهي على ثلاثة أنواع :
1. السدم المظلمة أو الامتصاصية ( Absorption
Nebulae ) .
2. سدم
الانعكاس ( Reflection Nebulae ) .
3. سدم
الإشعاع ( Emission Nebulae ) .
السدم المظلمة ( الامتصاصية )
Absorption Nebulae
وهي عبارة
عن كتل غازية ضخمة من الغاز والغبار الباردين ، تحجب كل شيء خلفها وتحتل بقاعاً
كبيرة من القبة الفلكية ويمكن رؤية بعضها بالعين المجردة . ومنها ما هو الصغير
الذي يدعى المتكورات ( Globules ) لشكل بعضها
الكروي والتي لا تحتل سوى عشرات الوحدات الفلكية مساحة في السماء . وتشير بعض
الدراسات إلى أن المراحل الأولى لتكوّن النجوم تحدث داخل هذه السدم .
وأشهر
السدم المظلمة في المجرة سديم رأس الحصان في مجموعة الجبار والذي يسمى أيضاً
الخليج المظلم . وهناك سدم يطلق عليها اسم أكياس الفحم ( Coal Sack) لشدة اسودادها .
سدم الإنعكاس
Reflection Nebulae
وهي
سدم تتكون من أغبرة وغازات تعمل على تشتيت الضوء القادم من النجوم الموجودة خلف أو
خلال السديم والتي ليس من الضروري أن تكون جميعها مرئية . من أمثلتها السديم
الكبير في الجبار والذي يعد رأس الحصان جزء منه ، وسديم القاعدة ، وسديم الثريا
تلك الغازات المحيطة بنجوم الثريا والتي تعكس الأشعة الصادرة عن نفس النجوم .
سدم الاشعاع
Emission Nebulae
وهي
سدم مضيئة بذاتها ، وإضاءتها ناتجة عن تأين غازاتها التي تتوهج بسبب وجود نجوم
خلفها أو فيها ، شديدة الحرارة تبعث أشعة فوق بنفسجية تستثير ذرات السديم فتؤدي
إلى توهجها . والسدم الإشعاعية هي أماكن ولادة النجوم بسبب حرارتها الذاتية ولوجود
كميات كبيرة من الغاز والغبار فيها .
ومن
أهم الأمثلة على هذه السدم سديم الجبار M 42 الذي يبعد عنا مسافة 1500
سنة ضوئية وهو كبير جداً ، فقطره يصل قرابة الثلاثين سنة ضوئية ، فلو وضعت الشمس
في طرفه لأمكن وضع نجم النسر الواقع في الطرف الآخر علماً بأن النسر الواقع يبعد
عنا مسافة 27 سنة ضوئية فقط . لكن كثافة هذا السديم ضئيلة جداً لدرجة أنها تقارن
بالفراغ الناتج عن آلة تفريغ الهواء في المختبر ، ومع ذلك فهو على تلك المسافة
مرئي بالنسبة لنا ، ويعد متوهجاً بسبب وجود أربعة من نجوم الجبار شديدة الحرارة
مغموسة فيه هي المسؤولة عن إضاءته وتدعى ( Trapezium ) ، ويقدر عمرها
بمليون سنة فقط .
ومن
الأمثلة الأخرى على السدم الإشعاعية سديم البحيرة ( Lagoon
Nebula ) في برج القوس والمعروف بـ ( M
8 ) ، وسديم الوردة ( Rosette
Nebula ) في مجموعة وحيد القرن والتي تبعد عنا 5500 سنة ضوئية ويبلغ عرضها 130
سنة ضوئية . والسديم الثلاثي في القوس الذي يبلغ قطره أربعين سنة ضوئية وقد دفنت
فيه مجموعة من النجوم الحارة التي تسبب إشعاعه ، وهو من أماكن ولادة النجوم .
وسديم النسر المشهور ( M 16 ) والذي صوره
تلسكوب الفضاء هابل كحواضن النجوم الوليدة ، وهو في حقيقته عنقود نجمي مغموس في كم
هائل من الغازات . وكذلك السديم العظيم في مجموعة القاعدة ( Carina
Nebula ) الذي هو عبارة عن هيدروجين مؤين بسبب النجم الغريب في وسطه ( نجم
إيتا القاعدة ) ، ويحتل هذا السديم مساحة في السماء قطرها ثلاث درجات بما يعادل
قرابة 400 سنة ضوئية ، أي أنه أكبر بكثير من سديم الجبار ، وسديم الرامي الشرقي
قرب مركز المجرة .
ثانياً : السديم الكوكبي (Planetary Nebula ) :
وهي حلقات أو كرات من الغاز اللامع
تحيط بنجم في وسطها ضمن مراحل تطور النجم وهي مرحلة العملاق الأحمر في طريقه ليصبح
قزماً أبيض . ويتمدد هذا الغلاف بسرعة تقارب
العشرين كيلومتر في الثانية ، ويقدر العمر اللازم لهذا الغلاف حتى يصبح رقيقاً
جداً غير مرئي لنا قرابة 35 ألف سنة . ولا علاقة لهذه السدم بالكواكب ، فقد أطلق عليها
هذا الاسم خطاً وليام هيرشل ظناً منه أن هذا الشكل ربما يحوي نظاماً كوكبياً .
والسدم الكوكبية من أجمل المناظر
السماوية ألواناً ، فالحلقات هي الغلاف الخارجي الذي انفجر عن النجم بعد تمدده ،
ويضاء بسبب الأشعة فوق البنفسجية التي يبثها النجم المتكشف قلبه والذي يبلغ درجة
حرارته أكثر من عشرين ألفاً . ومن أمثلتها ، سديم الأثقال ( M
27 Dumbbell Nebula ) في مجموعة الثعلب ، ويحتل مساحة في السماء
قطرها ربع درجة ، وهو أول السدم الكوكبية اكتشافاً ، وهو مكون من غلافين على الأقل
وفي وسطه نجم أبيض مزرقّ من القدر الرابع عشر يمثل تحدٍياً لهواة الفلك ، ويبعد عنا 3500
سنة ضوئية . والسديم الحلقي ( M
57 ) في مجموعة القيثارة ، فقطره يقدر بثلث سنة ضوئية وبعده 2000 سنة
ضوئية ، ويقدر عمره بـ 5500 سنة لأن معدل سرعة تمدده 19 كيلومتر في الثانية .
والسديم اللولبي ( Helix Nebula ) في مجموعة
العقاب ، ويعدّ أقرب السدم الكوكبية منا إذ يبعد 400 سنة ضوئية فقط ، وقطره في
السماء ربع درجة ، أي أنه أكبر السدم الكوكبية ظاهرياً في السماء . ويقطن مركزه
قزم أبيض من القدر الثالث عشر تصل درجة حرارة سطحه إلى قرابة 50 ألف كلفن . ويعود
سبب اللون الأزرق إلى ذرات الأكسجين المؤينة ، وأما اللون الأحمر فيعود إلى ذرات
النيتروجين والأكسجين المؤينين .
وهناك سدم كوكبية أخرى كثيرة كسديم عين
القط ( Cat’s Eye Nebula ) الذي في مركزه
نجمان رئيسيان . وسديم زحل ( Saturn
Nebula ) في العقاب ، وسديم البومة في الدب الأكبر . وسديم وجه المهرج ( Clown
Face Nebula ) في التوأمين ، وسديم الإسكيمو ، والسديم الحلقي الجنوبي . وغيرها من
السدم التي يربو عددها على 130 سديماً كوكبياً .
ثالثاً : بقايا الإنفجارات
النجمية (Supernova Remnants ) :
عند انتهاء حياة النجم وانفجاره على شكل سوبرنوفا مدوية ، ينتج
عنها غالباً نجماً نيوترونياً أو ثقباً أسود ، والجزء المتطاير بعيداً عن النجم هو
مرة أخرى غلافه الخارجي . كما يؤدي الانفجار إلى حدوث موجة صدمية عنيفة تسبق
الأشلاء المتطايرة من النجم وتعمل على تسخينها وتكسيرها مما لا يبقي لها شكلاً دائرياً
منتظماً كالسدم الكوكبية .
ومن أشهر سدم بقايا الانفجارات النجمية سديم السرطان في برج
الثور والذي رصد انفجاره في عام 1054 العرب والصينيون ، لكن الأرصاد الصينية
اشتهرت أكثر فدعي بنجم الصين الزائر ، ومنها
سوبرنوفا ( 1987 A ) والتي حدثت في مجرة ماجلان السديم القريب لمجرتنا والتي يمكن
مشاهدتها من النصف الجنوبي للكرة الأرضية . ومنها
نوفا 2007 العقرب الذي ظهر في شهر حزيران .
♦ العناقيد والتجمعات
النجمية ( Star clusters ) :
إذا تجمع عددٌ كبيرٌ من النجوم قرب بعضه البعض أو حول بعضه فإن
الفلكيين يسمون هذا التجمع عنقوداً . ويشترط في العنقود أن ترتبط نجومه برباط
جاذبي فيما بينها ، وإلا لأصبحت مجرد تجمع عادي يعيش فترة من الزمان ثم يتفرق .
♦ أنواع العناقيد :
أولاً : العناقيد المفتوحة أو
المجرية ( Open Clusters ) :
موجودة داخل المجرة وتتحرك معاً في اتجاه واحد ، وتتراوح أعداد
نجومها بين المئات والألوف فقط ، ويمكن التفريق بين نجومها بكل سهولة إذا ما زيد
في قوة المنظار أو التلسكوب المستعمل . وكثيرٌ منها يرى بالعين المجردة . ولا
يتجاوز قطر العنقود السنوات الضوئية القليلة . بالإضافة إلى أن نجومها حديثة وحارة
ويمكن رؤية بقايا السديم الذي تكونت منه هذه النجوم . ومن الأمثلة عليها ، عنقود
الثريا وعنقود الفراشة .
ثانياً : العناقيد الكروية (
Global Clusters ) :
وهي عناقيد نجمية أخذت
اسمها من الكرة لأنها تتكون من نجوم متراصة تبدو للناظر إليها كجرم واحد
وبالتلسكوبات تبدأ نجومها بالظهور على الأطراف . ويتكون العنقود الكروي من مئات
الألوف وحتى الملايين من النجوم ، وتقع على أطراف المجرة والمجرات الأخرى وتحيط
بها كهالة ، ولهذا فهي بعيدة جداً ولا ترى واضحة بالنسبة لنا . وتعد نجومها من
أقدم النجوم المعروفة . ويعد أوميجا قنطورس أشهر العناقيد الكروية ففيه مليون نجم
وفي المربع أكثر من 50 ألف نجم / صورة تلسكوب هابل . ومن الأمثلة أيضاً عنقود
الجائي (M 13 ) .
وفي الختام لا نملك إلا أن نقول ( سبحان من خلق فأبدع ، سبحانه جل في علاه )