الاشتراكية
Socialism
يطلق لفظ الاشتراكية للتعبير عن الكثير من المعاني المختلفة ، فأحياناً يطلق على مجرد تدخل الدولة في
النشاط الاقتصادي ، وبذلك تكون الاشتراكية نقيضاً لسياسة الحرية
الاقتصادية . كما يطلق ، أحياناً ، للتعبير عن تدخل الدولة في حياة العمال ، والطبقات
الفقيرة ، بهدف سن التشريعات الاجتماعية ،
والاقتصادية ، التي تخفف معاناتهم ، وتمنحهم بعض المزايا .
إلا أن الاشتراكية ، من الناحية العلمية ، تعني
النظام الذي تؤول فيه ملكية مواد الإنتاج
، والأراضي ، والآلات ، والمصانع للدولة . بمعنى آخر ، فإن الاشتراكية ، على خلاف ما تقتضيه
الرأسمالية ، تقوم على الملكية الجماعية لعناصر الإنتاج المختلفة .
أخذت الاشتراكية ، في الفكر الاقتصادي والتطبيق
الفعلي ، صورتين ، صورة الاشتراكية
الخيالية ، وصورة الاشتراكية الماركسية نسبةً إلى كارل ماركس . فقبل ظهور الاشتراكية الماركسية ، كان
المنادون بالاشتراكية يحاولون تصوير عالم خيالي ، تسود فيه مبادئ الاشتراكية
الخيالية ، وتنعدم فيه مساوئ النظم الاجتماعية ، والاقتصادية ، السائدة ،
محاولين إقناع الأفراد ، والحكومات ، بالمشاركة في إقامة هذا العالم الخيالي .
وكان اعتمادهم ، في ذلك ، على التأثير العاطفي المصحوب بسردٍ للمساوئ
الاجتماعية ، والاقتصادية ، التي كانت سائدة في تلك الفترة . ومن هذا المنطلق فإن
الاشتراكية الخيالية لم تكن ذات أساس علمي تحليلي ، وإنما كانت مجرد تخيلات وأحلام ، ليس لها
أساس علمي . أما الصورة الثانية من
صور الاشتراكية فكانت الاشتراكية الماركسية ، أو الاشتراكية العلمية ، التي حاول كارل ماركس بناءها
على أساس علمي ، محاولة لتميزها عن الاشتراكية الخيالية ، ولدحض حجج
الرأسمالية ، التي اعتمدت المنهج العلمي أداة رئيسية في تحليلها للقضايا الاقتصادية
المختلفة .
وجهة نظر الاشتراكية تعتمد عامة على أساس مادي ( عامة
ما تتضمن المادية التاريخية أو الوضعية ) وفهم للسلوك الإنساني يُشكل عن طريق
البيئة الاجتماعية . الهدف الأسمى للاشتراكيين الماركسيين هو رفع الولاية وتحرير
العمال من العمل عند الآخرين . ويتجادل الماركسيون أن تحرير الفرد من ضرورة العمل
عند الآخرين من أجل الحصول على بضائع سيجعل الناس تنساق إلى اهتمامتهم الخاصة
ويطوروا مواهبهم الخاصة بدون الاهتمام بالعمل عند الآخرين . وهكذا بالنسبة
للماركسيين يسمح بأن تكون مرحلة التطوير الاقتصادي مرحلة عرضية على التقدمات الموجودة
بالقدرات الإنتاجية بالمجتمع .
عامة الاشتراكيون يثبتوا أن الرأسمالية تركز القوة
والثروة في قطاع من المجتمع ، فيتحكم هذا القطاع في وسائل الإنتاج ويستمد ثروته من
النظام الإستغلالي . وهذا يخلق مجتمع طبقي يعتمد على علاقات اجتماعية غير متساوية
مما يسبب الفشل في إمداد فرص متساوية لكل الأفراد لتعظيم قدراتهم ، وهكذا لا يتم استخدام التقنيات المتاحة والمصادر لتعظيم قدراتهم لمصلحة العامة ، وتركز على إرضاء وإشباع رغبات السوق المستحث في مقابل متطلبات الإنسان . ويثبت الاشتراكيون أن الاشتراكية تسمح بتوزيع الثروة على أساس مساهمة كل فرد في المجتمع وفي المقابل كم رأس المال الذي يمتلكه الفرد .
الاشتراكيون يؤكدوا أن رأس المال نظام اقتصادي غير شرعي ، حيث أن هذا
يخدم مصلحة الأغنياء وتسمح بإستغلال الطبقات الأدنى . وبالتبعية يتطلعوا إلى أن
يستبدلوا النظام بالكامل بعمل تعديلات ضرورية له لكي يخلقوا عدالة اجتماعية لتولد مستوى معيشة أساسي . الهدف
الأساسي للاشتراكية المساواة
الاجتماعية وتوزيع
الثروة على أساس المساهمة في المجتمع ، وتنظيم اقتصادي يخدم مصلحة المجتمع ككل .
♣ الجذور التاريخية للمذهب الاشتراكي ♣
يرجع الكثير من مؤرخي الفكر الاقتصادي المذهب
الاشتراكي إلى الفيلسوف اليوناني
أفلاطون ، الذي صوّر في كتابه ( الجمهورية ) مجتمعاً مثالياً يعيش فيه الناس حياة ملؤها السعادة ، والحرية ،
والعدالة . وقد بنى أفلاطون هذا المجتمع على ثلاث فئات من الناس هي :
- الفئة الأولى : فئة الصناع ، الذين يبنون المنازل
، وينتجون الطعام ، والملابس .
- الفئة
الثانية : فئة المحاربين ، الذين يدافعون عن الوطن ضد العدوان الخارجي .
- الفئة
الثالثة : فئة الحكام الفلاسفة ، الذين يتم اختيارهم بكل عناية ودقة ، ويحرم عليهم كل أنواع الملكية الخاصة ،
حتى ينصرفوا إلى رعاية حكمهم وإقامة العدل بين الناس .
وقد كان أفلاطون يهدف ، من وراء ذلك ، إلى تصوير
مدينة مثالية ، يعيش فيها الناس سعداء
متحابين ، وتزول منها كل صور الظلم الاجتماعي ، والسياسي ، والاقتصادي . ورغم أن أفكاره ظلت
أفكاراً خيالية بعيدة عن التطبيق الواقعي ، إلا أنها ظلت حاضرة في أذهان الكثير من
الفلاسفة والمفكرين . فمنذ عهد أفلاطون ، لم يمر جيل إلا ويظهر فيه
مفكر ، أو فيلسوف ، يحاول مقاومة مساوئ نظام الملكية الخاصة ، عن طريق تصوير مجتمع
خيالي تنعدم فيه الملكية الخاصة ، ويعيش فيه الناس أحراراً من كل القيود المادية
والمعنوية . فقد أفضت القرون ، التي فصلت بين عهد أفلاطون ، وعصر الإصلاح الديني
بالكثير من الأفكار التي تدعو للمساواة ، والملكية العامة للمجتمع ،
وغير ذلك من الأفكار ، التي تدعو للعدالة الاجتماعية لأكبر عدد ممكن من المواطنين
. وقد تبنى هذه الأفكار الكثير من الفلاسفة ، والشعراء ، والقساوسة ، اعتقاداً
منهم بأن شيوعية المجتمع هي الحالة الطبيعية ، وأن القانون الوضعي ، الذي
أوجد عدم المساواة والملكية الخاصة ، والفروق الطبقية بين الناس ، ليس هو
التفسير السليم لقانون السماء .
أما في عصر الإصلاح الديني ، في أوربا ، في القرن
السادس عشر ، فقد أثار مارتن لوثر
الشكوك حول الملكية الخاصة ، وعدّها من السيئات التي يجب أن يتخلص منها المجتمع . إلى أن هذه الآراء ظلت
محبوسة في الإطار التخيلي ، بعيدة عن التطبيق على أرض الواقع ، خاصة في ظل
النفوذ القوي ، الذي كان يتمتع به الملوك والأمراء . واستمر الحال على هذا
المنوال ، حتى وضع كارل ماركس أساس الاشتراكية العلمية ، التي كانت تهدف إلى تقويض
مبادئ الرأسمالية ، وساندها في ذلك التفاوت الطبقي ، والاضطهاد الكبير ، الذي عانته
طبقة العمال ، في الدول الأوربية ، خلال القرن التاسع عشر . وقد أخذت الاشتراكية
صوراً مختلفة حيث راوحت بين الاشتراكية
الخيالية ، والاشتراكية الإصلاحية ، مروراً بالاشتراكية الماركسية أو العلمية . ومما لاشك فيه أن إسهام
مفكري هذا المذهب قد أثرى الفكر الاقتصادي ، وساعد في تطوره ، خاصة أنها قد أخذت
على عاتقها البحث عن نواقص النظام
الرأسمالي وعيوبه .
♣ عيوب النظام الاقتصادي الاشتراكي ♣
من الصعب أن يخلو نظام اقتصادي من العيوب ، ومهما
نجح هذا النظام في علاج عيوب ما
قبله من نظم ، إلا أن هناك بعض العيوب التي تشوب هذا النظام ، ومن أهمها :
1. عدم وجود الحافز القومي لضمان مزيد من تشجيع
العمال على الإنتاج ، وبالتالي إمكانية حدوث نوع من التراخي من جانب
بعض المسؤولين عن إدارة أمور المشروع في ظل النظام الاشتراكي ، وكذلك ضرورة
توفير جهاز إداري ورقابي ضخم ، لأن الدولة هي المسؤول عن المشروعات في ظل
النظام الاشتراكي ، ويؤدى ذلك إلى زيادة تكاليف الإنتاج من خلال وجود مزيد
من الإجراءات الروتينية وتعطيل العمل داخل الجهاز الإداري للدولة .
2. عدم كفاءة أسلوب التخطيط المركزي لإدارة
الاقتصاد القومي ، فقد أثبتت التجربة
والواقع أنه رغم المزايا المتعددة التي يحققها التخطيط الاقتصادي ، إلا أنه يحتوي على عيوب متعددة أهمها :
أن السلطات التي تتولى التخطيط قد لا تملك المعلومات الكافية اللازمة للتخطيط
على النحو الأكمل ، فضلاً على أن الواقع قد أثبت أن التخطيط يجر معه
ذيولاً من البيروقراطية الخانقة ، ويمهد لسيطرة الحزب الواحد في السلطة . كذلك
فإن التخطيط كان يتم كثيراً على حساب فعالية الإنتاج القومي وكفاءته والسلوك
الاقتصادي القويم .
3. ومن العيوب كذلك عدم وجود الحافز لاستخدام وسائل
إنتاجية حديثة ؛ الأمر الذي أدى إلى تخلف المعدات والآلات المستخدمة في العمليات
الإنتاجية وما لذلك من آثار
سلبية على جودة الإنتاج ، وكذلك عدم الخبرة الكافية في مجال العلاقات التجارية الخارجية . كذلك ضعف
جودة السلع التي تنتجها الدول الاشتراكية مقارنة بالدول الرأسمالية
الصناعية . وبإحلال الملكية الجماعية والتخطيط الاقتصادي الشامل ، فإن
أفكاراً مثل المنافسة وقوى العرض والطلب وجهاز الأثمان لتوجيه الموارد وحافز
الربح الشخصي لا تجد لها مكاناً في الاقتصاد الاشتراكي . فبدلاً من
المنافسة بين المشروعات يكون هناك التنسيق المتكامل بينها . ويتم تخطيط المشروعات
وتنفيذها وتوجيه الموارد في المجتمع عموماً ، وفقاً لأهداف عينية مادية وليس نقدية
، ويكون الهدف تحقيق الإنتاج وإنجازه ،
وليس الربح الشخصي . نخلص من هذا أن للنظام الرأسمالي مزاياه وعيوبه ، كما أن للنظام الاشتراكي
مزاياه وعيوبه .
هذا المقال أخي الكريم ، يثبت فشل كل من النظامين ( الرأسمالي والاشتراكي ) ، وبهذا يتجلى لنا بأن النظام الإسلامي هو النظام الوحيد القادر على إدارة اقتصاد الدولة وتنظيم الحياة الاقتصادية للأفراد ، وأنه قد تميز على النظامين السابقين بل وحتى أنه قد عالج عيوبهما ...
ردحذف