الاثنين، 25 مارس 2013

قصر الحمراء Alhambra


قصر الحمراء
Alhambra


قصر الحمراء درة غرناطة وعنوانها وشعارها التاريخي الأول ، يكاد يكون هو المعلم العربي الأبرز في الأندلس راهناً . يطل على المدينة الحديثة من هضاب عالية تشكل جزءاً منها ، أو على الأصح هي في موقع القلب من المدينة . والقصر ولا شك شاهد معجز على عظمة عرب الأندلس ورقيهم الحضاري ونهضتهم العمرانية والهندسية والفنية وقتذاك .
بناه سادة الأندلس في العام 1238 م ، وأول من وضع حجر الأساس فيه هو السلطان محمد الأول ابن الأحمر ( 1203 - 1273 ) مؤسس السلالة الناصرية . ثم أضاف على البناء فيما بعد كل من يوسف الأول ومحمد الخامس . ومن بعدهما جاء خلفاء آخرون ليوسعوا ويحسنوا فيه ما ارتأوا إلى ذلك سبيلا .
وبعد سقوط غرناطة ، تعرض القصر إلى شيء من الهدم والتحوير ، بخاصة على يد شارل الخامس ؛ الذي أحب على ما يبدو أن يتشفى من رموز الحضارة العربية الماثلة بقوة هناك ، فبنى فوق جزء من أطلال الحمراء قصراً على طراز عصر النهضة ، لكنه ولحسن الحظ لم يخرب باقي الأجزاء التي لم يتبق منها اليوم سوى بضع قاعات أو أجنحة كبيرة . مع الحدائق التي كان تم تشكيلها وهندستها ببراعة فائقة في ذلك الزمان العزيز .


والحقيقة أن المتجول في قصر الحمراء لا يخاله مجرد قصر مميز ، وإنما مدينة إسلامية متكاملة في كل شيء . وهي تقتضِ منه يوماً كاملاً ليتجول في أرجائها ، متفحصاً الأجنحة ومعالم وظائفها السابقة في الحماية والتخزين ونقل المياه ... علاوة طبقاً في المقام الأول على معاينة آيات فن الرقش والحفر والتعشيق ، وأول ما يلفت هو اختيار موقع القصر أساساً ، والطريق الوحيدة إليه ... فهو مبني كما أسلفنا على هضبة مشرفة على المدينة .
ومن يقصده ، عليه أن يجتاز طريقاً متدرجة الارتفاع تشكل بدورها حماية طبيعية للقصر ، وهذه الطريق تشق غابة رهيبة متكاثـفة الأشجار ، وتغطي الهضبة كلها ، وتمتد لتعانق بخضرتها الهرمة العتيقة أسرار القصر من كل جانب .
طبعاً ، الطريق إلى القصر معبدة ، والسيارة تحملك إليه عبر تعرجات لافتة ... فلا تسمع من حواليك ، باستثناء هدير السيارة سوى غناء السواقي المائية الغزيرة ، والتي تستطيب الشرب منها نظراً لنقائها وعذوبتها الفضية الباردة .
تصل إلى القصر العالي المنيف وتبدأ جولتك ذات الرهبة فيه ، من أول باب تدخله ثم تتوالى المفاجآت المبهرة فصلاً تلو الآخر ، بخاصة عندما تنتقل من جناح إلى آخر ؟ فكل جناح مثلاً يتوسطه فناء ولا أجمل ، وله بالطبع خصائصه المتميزة ، فناء الرياحين ، فناء السباع ... وتتوسط الأول بحيرة مستطيلة ذات اخضرار نظيف وعميق ... أما فناء السباع ففيه تلك البركة الشهيرة ، والتي لم يعرف إلى الآن كيف توصل العرب إلى اختراع طريقة توزيع المياه فيها بقوة قذف متساوية من فم كل سبع يحيط بها . السر ظل غامضاً واندفن مع غموضه حين حاول بعض المهندسين حل اللغز . إذ توقفت البركة عن العمل وفق نظامها "التكنولوجي" العربي القديم .


♦ عمارته وأقسامه ♦

1. فناء الريحان الكبير : تتقدمه ساحة البركة أو " فناء الريحان " الكبير المستطيل الشكل ، تتوسطه بركة المياه وتظللها أشجار الريحان ؛ ونقشت في زوايا فناء الريحان عبارة ( النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي عبد الله أمير المؤمنين ... ) والآية الكريمة ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) ، وفي النهاية الجنوبية لهذا البهو باب عربي ضخم ، هدمت المباني التي كانت وراءه ، ولم يبق منها سوى أطلال . وتوجد في هذه الأطلال بعض النقوش مثل " لا غالب إلا الله " ، " عزّ لمولانا السلطان أبي عبد الله الغني بالله " . ويؤدي باب فناء الريحان الشمالي إلى بهو صغير اسمه " بهو البركة " .


2. بهو السفراء : يؤدي البهو الذي يلي فناء الريحان من الجهة الشمالية إلى بهو السفراء ( أو بهو قمارش ) الذي يعد أضخم أبهاء الحمراء سعةً ، ويبلغ ارتفاع قبته 23م . ولهذا البهو شكل مستطيل أبعاده ( 18 × 11م ) . وفيه كان يعقد " مجلس العرش " ، ويعلوه " برج قمارش " المستطيل .


3. فناء السّرو : يؤدي بهو البركة من جهة اليمين إلى ( باحة السرو ) . وإلى جانبها الحمامات الملكية ، وأول ما يلفت النظر غرفة فسيحة زخارفها متعددة الألوان مع بروز اللون الذهبي ثم الأزرق والأخضر والأحمر ، وفي وسطها نافورة ماء صغيرة ، وتعرف باسم غرفة الانتظار . أما الحمامات فتغمرها الأنوار الداخلة عبر كوات بشكل ثريات وأرضها مرصوفة بالرخام الأبيض ، ومن الحمام يتم الدخول إلى غرفة الامتشاط والاستراحة التي تكثر فيها الرسوم الغريبة عن الفن الإسلامي ، ويتخلل الحمامات أبهاء صغيرة .


4. قاعة الأختين : تقع في شرق بهو البركة . عُرفت هذه القاعة بهذا الاسم لأن أرضها تحتوي على قطعتين من الرخام متساويتين وضخمتين .
5. بهو السباع : تؤدي قاعة الأختين من بابها الجنوبي إلى بهو السباع أشهر أجنحة قصر الحمراء . قام بإنشاء هذا الجناح السلطان محمد الغني بالله (1354 - 1391) وهو بهو مستطيل الشكل أبعاده ( 35م × 20م ) تحيط به من الجهات الأربع أروقة ذات عقود يحملها 124 عموداً من الرخام الأبيض صغيرة الحجم وعليها أربع قباب مضلّعة . في وسط البهو توجد نافورة السباع ، فعلى حوضها المرمري المستدير اثنا عشر أسداً من الرخام ، تخرج المياه من أفواهها بحسب ساعات النهار والليل .


تعطلت مخارج المياه في هذه البركة كما سبق وقلنا حين حاول الأسبان التعرف على سر انتظام تدفق المياه بالشكل الزمني الذي كانت عليه . ومن الجدير بالذكر أن الحضارة الإسلامية استخدمت الفوارات في زخرفة الحدائق العامة والخاصة ، وقد وصلت براعة المهندسين المسلمين في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي حداً كبيراً في صنع أشكال مختلفة من الفوارات يفور منها الماء كهيئة السوسنة ، ويتم تغييرها حسب الحاجة ليفور الماء كهيئة الترس وفي أوقات زمنية محددة ، وتمثل فوارات قصر الحمراء وجنة العريف نموذجاً متطوراً لما وصلت إليه إبداعات المسلمين في ذلك الوقت .


6. قاعة بني سراج : منتصف الناحية الجنوبية من بهو السباع مدخل قاعة بني سراج . ولهذه القاعة شكل مستطيل أبعاده ( 12م × 8م ) . فرشت أرضها بالرخام . وتعلوها قبة عالية في جوانبها نوافذ يدخل منها النور . وفي وسط القاعة حوض نافورة مستديرة من الرخام .
7. قاعة الملوك ( أو قاعة العدل ) : في جهة الشرق من بهو السباع يقع مدخل قاعة الملوك . زُيِّنّ سقف الحنية الوسطى بصور عشرة من ملوك غرناطة تعلوهم العمائم ، تعبر ملامحهم عن الوقار والكبرياء . أولهم محمد الغني بالله . وآخرهم السلطان أبو الحسن والد أبي عبد الله . وهناك صور فرسان ومشاهد صيد .


8. منظرة اللندراخا : ذهب بعضهم في تفسير هذا اللفظ بأنه محّرف لثلاث كلمات عربية ( عين دار عائشة ) . والجدير بالذكر أن عائشة كانت إحدى ملكات غرناطة في القرن الرابع عشر الميلادي . وإن لفظ ( عين ) يفيد ( نافذة ) . وتتألف هذه القاعة من بهو صغير مضلّع .
9. متزين الملكة : جناح علوي صغير في نهاية الطرف الشمالي للحمراء . تحت ( برج المتزين الذي يعود إلى عهد السلطان يوسف أبي الحجاج .
10. الزاوية والروضة : وهناك منطقة مهجورة من القصر في جهة الغرب كانت زاوية أو مصلّى فيها ميضأة وقاعدة مأذنة ... وكانت خرائب الروضة مدفناً لملوك بني نصر ملوك غرناطة في جهة جنوب باحة السباع . وعثر في الروضة على شواهد عدة لقبور تعود لملوك غرناطة .